سورة المائدة - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


{قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا أبو نعيم أنا إسرائيل عن مخارق عن طارق بن شهاب قال سمعت ابن مسعود يقول: لقد شهدت من المقداد بن الأسود مشهدا لأن أكون صاحبه أحب إليّ مما عدل به، أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين، فقال: لا نقول كما قال قوم موسى عليه السلام: {اذهب أنت وربك فقاتلا} ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك ومن خلفك، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم أشرق وجهه وسرّه ما قال. فلما فعلت بنو إسرائيل ما فعلت من مخالفتهم أمر ربهم وهمهم بيوشع وكالب غضب موسى عليه السلام ودعا عليهم.
{قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي} قيل: معناه وأخي لا يملك إلا نفسه، وقيل: معناه لا يطيعني إلا نفسي وأخي {فَافْرُق} فافصل، {بَيْنَنَا} قيل: فاقض بيننا، {وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} العاصين.
قال الله تعالى: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ} قيل: هاهنا تم الكلام معناه تلك البلدة محرمة عليهم أبدا لم يرد به تحريم تعبد، وإنما أراد تحريم منع، فأوحى الله تعالى إلى موسى: بي حلفت لأحرمنّ عليهم دخول الأرض المقدسة غير عبدي يوشع وكالب، ولأتيهنّهم في هذه البرية {أَرْبَعِينَ سَنَةً} يتيهون مكان كل يوم من الأيام التي تحبسون فيها سنة، ولألقين جيفهم في هذه القفار، وأما بنوهم الذين لم يعلموا الشر فيدخلونها، فذلك قوله تعالى: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً} {يَتِيهُونَ} يتحيرون، {فِي الأرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} أي: لا تحزن على مثل هؤلاء القوم، فلبثوا أربعين سنة في ستة فراسخ وهم ستمائة ألف مقاتل، وكانوا يسيرون كل يوم جادين فإذا أمسوا كانوا في الموضع الذي ارتحلوا عنه.
وقيل: إن موسى وهارون عليهما السلام لم يكونا فيهم، والأصح أنهما كانا فيهم ولم يكن لهما عقوبة إنما كانت العقوبة لأولئك القوم، ومات في التيه كل من دخلها ممن جاوز عشرين سنة غير يوشع وكالب، ولم يدخل أريحاء أحد ممن قالوا إنا لن ندخلها أبدا فلما هلكوا وانقضت الأربعون سنة، ونشأت النواشئ من ذراريهم ساروا إلى حرب الجبارين.
واختلفوا فيمن تولى تلك الحرب وعلى يدي من كان الفتح، فقال قوم: وإنما فتح موسى أريحاء وكان يوشع على مقدمته، فسار موسى عليه السلام إليهم فيمن بقي من بني إسرائيل، فدخلها يوشع فقاتل الجبابرة ثم دخلها موسى عليه السلام فأقام فيها ما شاء الله تعالى، ثم قبضه الله تعالى إليه، ولا يعلم قبره أحد، وهذا أصح الأقاويل لاتفاق العلماء أن عوج بن عنق قتله موسى عليه السلام.
وقال الآخرون: إنما قاتل الجبارين يوشع ولم يسر إليهم إلا بعد موت موسى عليه السلام، وقالوا: مات موسى وهارون جميعا في التيه.
قصة وفاة هارون:
قال السدي: أوحى الله عز وجل إلى موسى أني متوفي هارون فأتِ به جبل كذا وكذا، فانطلق موسى وهارون عليهما السلام نحو ذلك الجبل فإذا هما بشجرة لم ير مثلها وإذا ببيت مبني وفيه سرير عليه فرش وإذا فيه ريح طيبة، فلما نظر هارون إلى ذلك أعجبه، فقال: يا موسى إني أحب أن أنام على هذا السرير قال: فنم عليه، فقال: إني أخاف أن يأتي ربُّ هذا البيت فيغضب عليّ، قال له موسى: لا ترهب إني أكفيك أمر رب هذا البيت فنم، قال: يا موسى نم أنت معي فإن جاء رب البيت غضب عليّ وعليك جميعا فلما ناما أخذ هارون الموت فلما وجد منيته قال: يا موسى خدعتني، فلما قبض رفع البيت وذهبت تلك الشجرة ورفع السرير به إلى السماء، فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل وليس معه هارون قالوا: إن موسى قتل هارون وحسده لحب بني إسرائيل له، فقال موسى عليه السلام: ويحكم كان أخي فكيف أقتله، فلما أكثروا عليه قام فصلى ركعتين ثم دعا الله تعالى ونزل السرير حتى نظروا إليه بين السماء والأرض فصدقوه.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: صعد موسى وهارون عليهما السلام الجبل فمات هارون وبقي موسىٍ فقالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام أنت قتلته فآذوه فأمر الله الملائكة فحملوه حتى مروا به على بني إسرائيل وتكلمت الملائكة بموته حتى عرف بنو إسرائيل أنه مات، فبرأه الله تعالى مما قالوا، ثم إن الملائكة حملوه ودفنوه فلم يطلع على موضع قبره أحد إلا الرخم فجعله الله أصم وأبكم.
وقال عمرو بن ميمون: مات هارون قبل موت موسى عليه السلام في التيه، وكانا قد خرجا إلى بعض الكهوف فمات هارون ودفنه موسى وانصرف إلى بني إسرائيل، فقالوا: قتلته لحبنا إياه، وكان محببا في بني إسرائيل، فتضرع موسى عليه السلام إلى ربه عز وجل فأوحى الله إليه أن انطلق بهم إلى قبره فإني باعثه، فانطلق بهم إلى قبره فناداه موسى فخرج من قبره ينفض رأسه، فقال: أنا قتلتك؟ قال: لا ولكني مت، قال: فعد إلى مضجعك، وانصرفوا.
وأما وفاة موسى عليه السلام، قال ابن إسحاق: كان موسى عليه الصلاة والسلام قد كره الموت وأعظمه فأراد الله أن يحبب إليه الموت، فنبأ يوشع بن نون فكان يغدو ويروح عليه، قال: فيقول له موسى عليه السلام يا نبي الله ما أحدث الله إليك؟ فيقول له يوشع: يا نبي الله ألم أصحبك كذا وكذا سنة، فهل كنت أسألك شيئا مما أحدث الله إليك حتى تكون أنت الذي تبتدئ به وتذكره؟ ولا يذكر له شيئا، فلما رأى ذلك كره موسى الحياة وأحب الموت.
أخبرنا أبو علي حسان بن سعيد المنيعي أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان أنا أحمد بن يوسف السلمي أنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه قال: أخبرنا أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جاء ملك الموت إلى موسى بن عمران، فقال له: أجب ربك، قال: فلطم موسى عليه السلام عين ملك الموت ففقأها، قال: فرجع ملك الموت إلى الله تعالى فقال: إنك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت وقد فقأ عيني قال فرد الله إليه عينه، وقال: ارجع إلى عبدي فقل له: الحياة تريد؟ فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور، فما وارت يدك من شعرة فإنك تعيش بها سنة، قال: ثم مه؟ قال: ثم تموت، قال: فالآن من قريب، ربِّ أدنني من الأرض المقدسة رمية بحجر»، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله لو أني عنده لأريتكم قبره إلى جنب الطريق عند الكثيب الأحمر».
وقال وهب: خرج موسى لبعض حاجته فمرّ برهط من الملائكة يحفرون قبرا لم ير شيئا قط أحسن منه ولا مثل ما فيه من الخضرة والنضرة والبهجة، فقال لهم: يا ملائكة الله لم تحفرون هذا القبر؟ قالوا: لعبد كريم على ربه، فقال: إن هذا العبد من الله لهو بمنزلة ما رأيت كاليوم مضجعا قط، فقالت الملائكة: يا صفي الله تحب أن يكون لك؟ قال: وددت، قالوا: فانزل واضطجع فيه وتوجه إلى ربك، قال: فاضطجع فيه وتوجه إلى ربه ثم تنفس أسهل تنفس فقبض الله تبارك وتعالى روحه، ثم سوّت عليه الملائكة.
وقيل: إن ملك الموت أتاه بتفاحة من الجنة فشمها فقبض روحه.
وكان عمر موسى مائة وعشرين سنة فلما مات موسى عليه السلام وانقضت الأربعون سنة بعث الله يوشع نبيا فأخبرهم أن الله قد أمره بقتال الجبابرة، فصدقوه وتابعوه فتوجه ببني إسرائيل إلى أريحاء ومعه تابوت الميثاق، فأحاط بمدينة أريحاء ستة أشهر، فلما كان السابع نفخوا في القِران وضج الشعب ضجة واحدة فسقط سور المدينة، ودخلوا فقاتلوا الجبارين وهزموهم وهجموا عليهم يقتلونهم، وكانت العصابة من بني إسرائيل يجتمعون على عنق الرجل يضربونها حتى يقطعونها، فكان القتال يوم الجمعة فبقيت منهم بقية وكادت الشمس تغرب وتدخل ليلة السبت، فقال: اللهم اردد الشمس عليّ وقال للشمس: إنك في طاعة الله سبحانه وتعالى وأنا في طاعته فسأل الشمس ان تقف والقمر أن يقيم حتى ينتقم من أعداء الله تعالى قبل دخول السبت، فردت عليه الشمس وزيدت في النهار ساعة حتى قتلتهم أجمعين، وتتبع ملوك الشام فاستباح منهم أحدا وثلاثين ملكا حتى غلب على جميع أرض الشام، وصارت الشام كلها لبني إسرائيل وفرق عماله في نواحيها وجمع الغنائم، فلم تنزل النار، فأوحى الله إلى يوشع أن فيها غلولا فمرهم فليبايعوا فبايعوه فالتصقت يد رجل منهم بيده فقال: هلم ما عندك فأتاه برأس ثور من ذهب مكلل بالياقوت والجواهر كان قد غلَّه، فجعله في القربان وجعل الرجل معه فجاءت النار فأكلت الرجل والقربان، ثم مات يوشع ودفن في جبل أفرائيم، وكان عمره مائة وستا وعشرين سنة، وتدبيره أمر بني إسرائيل من بعد موسى عليه السلام سبعا وعشرين سنة.


قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ} وهما هابيل وقابيل ويقال له قابين، {إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا} وكان سبب قربانهما على ما ذكره أهل العلم أن حواء كانت تلد لآدم عليه السلام في كل بطن غلاما وجارية، وكان جميع ما ولدته أربعين ولدا في عشرين بطنا أولهم قابيل وتوأمته أقليما، وآخرهم عبد المغيث وتوأمته أمة المغيث، ثم بارك الله عز وجل في نسل آدم عليه السلام، قال ابن عباس: لم يمت آدم حتى بلغ ولده وولد ولده أربعين ألفا.
واختلفوا في مولد قابيل وهابيل، فقال بعضهم: غشي آدم حواء بعد مهبطهما إلى الأرض بمائة سنة، فولدت له قابيل وتوأمته أقليما في بطن واحد، ثم ولدت هابيل وتوأمته لبودا في بطن.
وقال محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم بالكتاب الأول: إن آدم كان يغشى حواء في الجنة قبل أن يصيب الخطيئة، فحملت فيها بقابيل وتوأمته أقليما، فلم تجد عليهما وحما ولا وصبا ولا طلقا حتى ولدتهما، ولم تر معهما دما فلما هبط إلى الأرض تغشاها فحملت بهابيل وتوأمته، فوجدت عليهما الوحم والوصب والطلق والدم، وكان آدم إذا شب أولاده يزوج غلام هذا البطن جارية بطن أخرى، فكان الرجل منهم يتزوج أية أخواته شاء إلا توأمته التي ولدت معه لأنه لم يكن يومئذ نساء إلا أخواتهم، فلما ولد قابيل وتوأمته أقليما ثم هابيل وتوأمته لبودا، وكان بينهما سنتان في قول الكلبي وأدركوا، أمر الله تعالى آدم عليه السلام أن ينكح قابيل لبودا أخت هابيل وينكح هابيل أقليما أخت قابيل، وكانت أخت قابيل أحسن من أخت هابيل، فذكر ذلك آدم لولده فرضي هابيل وسخط قابيل، وقال: هي أختي أنا أحق بها، ونحن من ولادة الجنة وهما من ولادة الأرض، فقال له أبوه: إنها لا تحل لك فأبى أن يقبل ذلك، وقال: إن الله لم يأمره بهذا وإنما هو من رأيه، فقال لهما آدم عليه السلام: فقربا قربانا فأيكما يقبل قربانه فهو أحق بها، وكانت القرابين إذا كانت مقبولة نزلت نار من السماء بيضاء فأكلتها، وإذا لم تكن مقبولة لم تنزل النار وأكلته الطير والسباع، فخرجا ليقربا قربانا وكان قابيل صاحب زرع فقرب صبرة من الطعام من أردأ زرعه وأضمر في نفسه ما أبالي أيقبل مني أم لا لا يتزوج أختي أبدا، وكان هابيل صاحب غنم فعمد إلى أحسن كبش في غنمه فقرب به وأضمر في نفسه رضا الله عز وجل فوضعا قربانهما أعلى الجبل، ثم دعا آدم عليه السلام فنزلت نار من السماء وأكلت قربان هابيل ولم تأكل قربان قابيل فذلك قوله عز وجل: {فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا} يعني هابيل {وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ} يعني: قابيل فنزلوا على الجبل وقد غضب قابيل لرد قربانه وكان يضمر الحسد في نفسه إلى أن أتى آدم مكة لزيارة البيت، فلما غاب آدم أتى قابيل هابيل وهو في غنمه، {قَالَ لأقْتُلَنَّكَ} قال: ولِمَ؟ قال: لأن الله تعالى قبل قربانك وردّ قرباني، وتنكح أختي الحسناء وأنكح أختك الدميمة، فيتحدث الناس أنك خير مني ويفتخر ولدك على ولدي، {قَالَ} هابيل: وما ذنبي؟ {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}.


{لَئِنْ بَسَطْتَ} أي: مددت، {إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} قال عبد الله بن عمر: وايم الله إن كان المقتول لأشد الرجلين ولكن منعه التحرج أن يبسط إلى أخيه يده، وهذا في الشرع آدم جائز لمن أريد قتله أن ينقاد ويستسلم طلبا للأجر كما فعل عثمان رضي الله عنه، قال مجاهد: كتب عليهم في ذلك الوقت إذا أراد رجل قتل رجل أن لا يمتنع ويصبر.
{إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ} ترجع، وقيل: تحتمل، {بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} أي: بإثم قتلي إلى إثمك، أي: إثم معاصيك التي عملت من قبل، هذا قول أكثر المفسرين. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: معناه إني أريد أن يكون عليك خطيئتي التي عملتها أنا إذا قتلتني وإثمك فتبوء بخطيئتي ودمي جميعا، وقيل: معناه أن ترجع بإثم قتلي وإثم معصيتك التي لم يتقبل لأجلها قربانك، أو إثم حسدك.
فإن قيل: كيف قال إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك، وإرادة القتل والمعصية لا تجوز؟ قيل ليس ذلك بحقيقة إرادة ولكنه لما علم أنه يقتله لا محالة وطّن نفسه على الاستسلام طلبا للثواب فكأنه صار مريدا لقتله مجازا، وإن لم يكن مريدا حقيقة، وقيل: معناه إني أريد أن تبوء بعقاب قتلي فتكون إرادة صحيحة، لأنها موافقة لحكم الله عز وجل، فلا يكون هذا إرادة للقتل، بل لموجب القتل من الإثم والعقاب، {فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ}.
قوله عز وجل: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ} أي: طاوعته وشايعته وعاونته، {قَتْلَ أَخِيهِ} أي في قتل أخيه، وقال مجاهد: فشجعته، وقال قتادة: فزينت له نفسه، وقال يمان: سهلت له نفسه ذلك، أي: جعلته سهلا تقديره: صوّرت له نفسه أن قتل أخيه طوع له أي سهل عليه، فقتله فلما قصد قابيل قتل هابيل لم يدر كيف يقتله، قال ابن جريج: فتمثل له إبليس وأخذ طيرا فوضع رأسه على حجر ثم شدخ رأسه بحجر آخر وقابيل ينظر إليه فعلّمه القتل، فرضخ قابيل رأس هابيل بين حجرين قيل: قتل وهو مستسلم، وقيل: اغتاله وهو في النوم فشدخ رأسه فقتله، وذلك قوله تعالى: {فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وكان لهابيل يوم قتل عشرون سنة.
واختلفوا في موضع قتله قيل: بالبصرة في موضع المسجد الأعظم فاسودَّ جسم القاتل وسأله آدم عليه السلام عن أخيه فقال لم أكن عليه وكيلا فقال: بل قتلته ولذلك اسودَّ جسدك، مكث آدم مائة سنة لم يضحك قط منذ قتله.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: على جبل ثور وقيل عند عقبة حراء، فلما قتله تركه بالعراء ولم يدر ما يصنع به لأنه كان أول ميت على وجه الأرض من بني آدم، وقصدته السباع، فحمله في جراب على ظهره أربعين يوما، وقال ابن عباس: سنة، حتى أروح، وعكفت عليه الطير والسباع تنتظر متى يرمى به فتأكله، فبعث الله غرابين فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه ثم حفر له بمنقاره وبرجله حتى مكن له ثم ألقاه في الحفرة وواراه، وقابيل ينظر إليه، فذلك قوله تعالى: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيه}.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9